تعديل

الأحد، 31 ديسمبر 2017

باب من أبواب السُّحت يتساهل فيه كثير من التُّجار

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه، أمَّا بعد:
فإنَّ لحلِّ المال وطيبه في طيب حياة المسلم أعظم الأثر:
ففيه رضاء الرحمن جلَّ وعلا، فإنَّ طلب الحلال من عبادات الأبرار، وكان الثَّوري يسمِّيه: "عمل الأبطال".
وفيه البركة في المال
والعافية في الولد
والسَّلامة من الآفات
والتخلِّي من مانع من استجابة الدُّعاء
والسَّلامة من موجِب عظيمٍ من موجبات النَّار
وفيه سكون النَّفس وطيبها
وفيه الأحدوثة الحسنة والذِّكر الطيِّب
وتورث الفراسة الصَّادقة
وهي فوق ذلك من أكبر ما يتعبَّد به المسلم ربَّه تعالى.
وهذا زمن قد بُسطت فيه الدُّنيا وتوسَّعت التِّجارات على كثير من النَّاس، ففتح من أبواب المال الحرام ما لم يكن متاحًا قبلُ، وبعض وجوهه ظاهر باد، وبعضه ممَّا يخفى عن كثير من العباد.
ومن من أعظم ما شاع عند كثير من التُّجار اليوم أن يأخذ سلعةً من تاجر آخر على أن ينقده ثمنها إذا باعها، ثم إنَّ كثيرا منهم - إن لم اقل: أكثرهم - يبيع السِّلعة ولا ينقد الثَّمن، إمَّا كلَّه وإمَّا بعضه، لكن يشتري به سلعة أخرى ليبيعها ويربح فيها، ويتأخَّر على الأوَّل في الدَّفع، وهكذا يفعل، حتَّى ربَّما يكون أكثر رأس ماله الَّذي يتاجر به من أموال النَّاس الَّتي حلَّ أجلُها ولم يرُدَّها بعدُ إلى أصحابها، وهو يظنُّ بذلك أن لا تبعة عليه، المهمُّ أن يدفع.
وهذا غلط وجهل قبيح وشبهة إبليسية يجرُّ بها المستغفل إلى الحرام، فإنَّ المسلمين على شروطهم، فإذا أخذ سلعة لينقد ثمنها إذا باع، وجب عليه ذلك بمجرَّد أن يقبض ثمنها، ولو لم يشترطه عليه صاحب السِّلعة لفظًا، لأنَّ "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا"، ثم إنَّ "مطل الغنيِّ ظلم" كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطل الغني هو تأخُّر القادر على دفع الدَّين عن دفعه بعدما حلَّ أجله.
ففاعل هذا الفعل خائن للشَّرط، ظالم للمدين، بل هو سارق من السَّارقين، فقد أخرج المرُّوذي في كتاب "الورع" له (91) عن يونس بن عبيد رحمه الله أنه قال: "ما السَّارق عندي بأسوأ من التَّاجر يشتري المتاع إلى أجل ثمَّ يضرب فيه إلى البلدان، لا يكتسب درهما بعد الأجل إلا كان حرامًا".
الله أكبر، هذا يونس بن عبيد أحد أئمَّة الإسلام بالبصرة في أيَّامه يقول: إنَّ كل درهم يكتسبه التَّاجر من تجارته بأموال النَّاس بعد حلول الأجل هو من الكسب المحرَّم، فاتَّقوا الله معاشر التُّجار، وأدوا الأمانات إلى أهلها، فليس في نعيم الدُّنيا ما يستحقُّ أن تعرِّض به نفسك للنار.
أسال الله تعالى أن يجعلنا من الطيِّبين المطيَّبين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وسلَّم تسليما.