تعديل

الأحد، 31 ديسمبر 2017

استعارة عامية فصيحة (رقالو)

بسم الله الرحمن الرحيم

اتَّفق دارسو اللَّهجات العربية أن في كثير ممَّا بقي يتكلم به الناس اليوم في حواضرهم وبواديهم ما هو عربي فصيح، بقي بعضه على أصله، وغُيِّر بعضه بشيء من التَّغيير الذي لا يصعب رده إلى أصله.


وهنا شيء آخر لا أذكر أنِّي رأيتهم نبهوا إليه إلا قليلا، وهو الاستعارات العربية الفصيحة التي بقيت مستعملة في اللهجات، أعني استعمال الكلمة في مجازها استعمالًا يطابق استعمال العرب الفصحاء، وهو من أهمِّ المقاصد الَّتي بنى عليها الزمخشري معجمه "أساس البلاغة"، ولمَّا كان منفردًا بذلك على أهميَّته جرَّد منه تلك المجازات الحافظ ابن حجر في جزء مطبوع يسمَّى "غراس الأساس".


وقد وقفت قريبًا على استعارة عربية مليحة، لا زالت مستعملة في العامية عندنا، فهم يقولون فيمن تلطَّف لأحد في استرضائه أو استخراج شيء منه: "رقا له"، وينطقونها: "رقالو"، بإبدال الواو من ضمير الغائب، من الفعل رقيتُ رُقيةً أي: عوَّذته بأسماء الله أو بكتابه من عين أو مس أو سحر أو غيره، فيستعيرونها في التلطُّف والتملُّق وهو استعمال فصيح.
قال ابن درستويه في شرح الفصيح (ص178): "وقد يستعار هذا في في التملُّق والخديعة، فيقال: رقِيتَه إذا تملَّقته، وسللت حقده بالرِّفق، كما ترقي الحيَّةَ حتَّى تُجيب، وفي ذلك يقول كثير لعبد الملك بن مروان:


وما زالت رُقاك تسلُّ ضِغني // وتخرج من مصائبها ضِبابِي

ويرقيني لك الحارون حتَّى // أجابك حيَّةٌ تحت الحجابِ".