تعديل

الخميس، 1 فبراير 2018

التعليق المرصَّع على أكثر من مائة موضع من المقالات الأربع

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
أمَّا بعد:
فإنِّي منذ زمنٍ لا أزالُ أتجنَّب الشَّيخ عبد المجيد جمعة، وأحرص على أن لا يكون لي به صِلَة، ومع ذلك فقد شاء تعالى أن أُبتَلى بالتَّصادم معه، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وما حالي وأنا أكتبُ هذا التَّعليق إلَّا كما قال الشَّاعر:

فكيفَ الفِرارُ إذا ما اقْتَرَبْ
أفــرُّ من الشَّـرِّ في رِخْـــــــوِهِ 
فالحمد لله على ما قَدَّر وقَضَى.

كتبَ الشَّيخ جمعة في الردِّ على جوابي عن رسالته إليَّ أربعَ حلقاتٍ، لا أريد أن أصفها لك الآن حتى تكون أنت من يحكم عليها بعد قراءة هذا التَّعليق، غير أنِّي أقول: إن هذه الحلقات مثالٌ واضحٌ وصحيحٌ لكلمة جليلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قال في كتابه «الصَّفدية» (1/54): «القول الباطل لا يكون عليه دليلٌ صحيح»، فالرَّجل إذا قام في نصرة قولٍ غير صحيح واحتاج إلى الاستدلال عليه والردِّ على ما يقدح فيه فإنَّه لا يمكن أن يأتي عليه بدليل صحيح، بل يكون كما وصف الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)، قال الشَّيخ السَّعدي رحمه الله في «تفسيره»: وهكذا كلُّ من كذب بالحقِّ، فإنَّه في أمر مختلط، لا يُدرى له وجهةٌ ولا قرار، فترى أموره متناقضة مؤتفكة، كما أنَّ من اتَّبع الحقَّ وصدَّق به قد استقام أمره، واعتدل سبيله، وصَدَّق فعلُه قِيلَه».

سأقف مع هذه المقالات ـ إن شاء الله ـ وقفاتٍ منهجيَّة، أطرِّزُها بنُكَتٍ علميَّة، وفوائد أدبيَّة.
وحرصًا على تسهيل الوقوف على الغرض فإنِّي سأجمعها متتابعة في أعلى الصَّفحة، وأجعل كلامي تعليقًا في الحاشية أسفلَ الصَّفحة، فما كان من الكلام فوق السطر فهو كلامه كما أثبته في نشراته، لا أتصرَّف فيه بشيء، وما كان أسفل الصَّفحة فهو من كلامي.

وهنا وقفةٌ وتنبيهٌ واعتذار: 

أمَّا الوقفة فمع عنوان المقالات، وهو: «جواب الجواب وردع الطَّاعن العيَّاب»، فاعلم أخي! ـ وفَّقك الله ـ أنَّ مدلول هذا العنوان غيرُ صحيحٍ ولا مطابقٍ للواقع، لأنَّه ينعتني بالطعَّان العيَّاب لكونِي طعنتُ فيه فيما زعم أكثر من ثلاثين طعنة، والحقيقة أنِّي لم أطعن فيه طعنةً واحدةً فضلًا عن ثلاثين، فقد كنت في جوابي كلِّه ألتزم الحكمَ على أقواله وأفعاله، وأتجنَّب الحكم على شخصه، وارجع أخي الكريم! إلى جوابي، لترى كيف أنِّي تجنَّبت إطلاق الأحكام والنُّعوت عليه، وكنتُ أحكم على أقواله وأفعاله ومواقفه، فأقول: هذا تحريش، وهذا ظلم، وهذا كذا...، ولا أقول: مُحرِّش أو ظالم...، ومعلومٌ في مباحث الاعتقاد الفرقُ بين الأسماء والأحكام، وهذا بخلافِ ما عمله هو، حيث ملأ كلامه ـ من قبلُ ومن بعدُ ـ بالسبِّ والشَّتم والأوصاف القبيحة، مُطلِقًا إيَّاها على الشَّخص لا على الأقوال والأفعال، وهذا ظاهرٌ من عنوان المقال فضلًا عن حشوه، فأيُّنا أولى إذن بوصف الطَّاعن العيَّاب؟!
نعم، الذي وقع منِّي هو أنِّي سمَّيتُ الأمور بأسمائها، وآثرتُ التَّصريح بدل التَّلميح لأنِّي رأيت المقام يقتضي ذلك، وعُذري فيه واضحٌ، فإنَّه تكلَّم في إخوانه بكلامٍ شديدٍ، وكان سببًا في فتنةٍ عظيمةٍ وفُرقة شديدة، فلم يظهر مناسبًا إلَّا ذلك الأسلوب الَّذي اتَّبعته، ولقد أوقفني أحدُ إخواني على رسالةٍ كنت كتبتُ بها إليه قبل سبع سنوات، أعتبر أنَّها تُمثِّلُ المنهج الَّذي سِرتُ عليه ولا أزال ـ إن شاء الله ـ في النَّقد، وممَّا قلتُه فيها: «الحاملُ لي ـ عَلِم الله ـ على هذا الردِّ أنِّي رأيت (فلانًا) يُعلِّق على عدَّة مقالاتٍ بتعليقاتِ جاهلٍ بما تكلَّم فيه صاحب المقال، وظننتُ أنَّه إنَّما استطال عليهم باسمه لا بعلمه، وكنتُ أنوي أن أذكر لك هذا قبل أن يحدث معي، فلمَّا حصل ما حصل أردت أن أُبيِّن له أنْ ليس كلُّ النَّاس يجامل خشية التَّحامل، ويُصانع فرارًا من المُمَانع، فالأدبُ مع العلم أولى في نظري من الأدب مع الأشخاص، أتُرى الرَّجل يُسيء الأدب مع العلم بالاعتراض عليه بالجهل، وأتركُ أنا الأدب مع العلم فلا أنتصر له أدبًا مع المتخوِّض؟! اللَّهم لن يكون هذا منِّي ما حفظتَ عليَّ عقلي.
عذرًا، فلو أنَّ كلَّ من تكلَّم فيما لا يُحسن، أُدِّب بأدب العلم لاختفى كثيرٌ من الغثاء الطَّافي فوق الصَّفاء، والله الموفق».
وأمرٌ آخر، هو أنه طعن فيَّ طعنا شديدًا بكلام قبيح قبل أن أكتب ما كتبت، فكيف ينكر عليَّ طعني فيه لو طعنت؟! هل عِرضُه مُحرَّم وعِرضي مباح، أم يجوز له ما لا يجوز لغيره؟! أم هو المجتهد المأجور وغيره الطَّاعن المغرور؟!

وأمَّا التنبيه فهو أنَّه لم يُجِبْ عن جميع ما ذكرتُه، بل كان ينتقي أشياء يجيب عنها وأشياء يتجاوزها.
وسأذكر ما لم يُجِب عنه:
فما ذكرته له من التَّحريش الَّذي وقع منه عدَّة مرَّاتٍ لم يُجب عنه، وأيضًا ما ذكرته من أنَّ هذه الطَّريقة مخالفةٌ لما عليه أهل العلم، ومُجانبة لطرائقهم، بل اقتصر على إلزامي بأنِّي وقعت فيما أنكرته عليه، ولئن سلَّمتُ له أنِّي وقعت فيه، فهذا ليس بجواب، بل حيدة عن الجواب وفرارٌ منه.
وما ذكرته من إخراجه للرَّسائل الخاصَّة وتجويزه لذلك لم يُجِب عنه.
3ـ وما ذكرته من مسارعته لتكذيبي والتَّعريض بتكذيب الشَّيخ عبد الغني لم يجب عنه.
وجوابي عن سؤاله الثالث لم يجب عنه.
وما ذكرته من مخالفة الواقع لما وصف به الشيخ بوقليل في علمه وأدبه لم يجب عنه، بل اقتصر على تجديد رميه بالكذب، وهو دعوى عريَّة عن الإثبات، فالشَّيخ حسن كان قبض ما قبضه بأمانة، وهو مُصَدَّقٌ في ادِّعاء الإرجاع على أصحِّ أقوال العلماء، كما هو معروفٌ في محلِّه من كتب الفقه.
وما ذكرته من خطئه في إنكاره على الشَّيخ حسن إلغاءَ محاضرة لأنَّه نسي أوراقه التي كتبها فيها، وعدوله إلى الإجابة عن أسئلة الإخوة لم يُجب عنه.
وما ذكرته من مخالفة الواقع في الشَّيخ مصطفى قالية من كونه من شيوخ النت والفجأة لم يُجب عنه.
وجوابي عن سؤاله الخامس لم يُجِب عنه.

v وممَّا يحسُنُ ذكره هنا إقامةً للمعذرة أنِّي تجنَّبت أن آخذه في جوابي بأغلاطه في اللُّغة والنَّحو، لأنَّ أمرها سهل، ولا يكاد يسلم منها أحدٌ، لا سيَّما في هذا الزمان، وهذا بعضُ ما قصدته بقولي في آخر الجواب: إنِّي سأدفع بالأسهل فالأسهل، لكنَّه لم يقنع بالسِّتر، فجعل يتعرَّض لي في هذا الباب، ويُدِلُّ بعلمه فيه، فعابَ جملة وقعت في جوابي بالرَّكاكة، فقال: «فيه ركاكةٌ في الأسلوب كركاكة فهمك...»، وأنكر استعمالَ لفظة في كلامي وقال: «هي مولّدة كتولّد فكرك...»، فقد فتح على نفسه بابًا لم أحبَّ له أن يفتحه، فليَقُم لتبعاتِه عليه، فإنِّي سأعامله بالمِثل، فأنقُدُ ألفاظَه ومعناه، وأنا في هذا مقتدٍ بالشَّيخ ربيع ـ حفظه الله ـ الذي قال في «بيان فساد المعيار» (ص 11): «لقد كنَّا لا نحاسب أحدًا على مثل هذه الأخطاء ولا نأبَهُ بها، لكن لمَّا أعطاها صاحب «المعيار» أهميَّة كبيرة  وبنى عليها عناوين مهولة وأعطاها بُعْدًا علميًّا لم يُسبق إلى مثله، أردنا أن نُنكِّل به ونؤدِّبه بمثل ما صنع».

مع التنبيه على أنِّي لم أنتقده في جميع أغلاطه في هذا الباب، بل أغفلت عددًا منها، حتَّى لا أُثقِلَ التَّعليق بالأمور السَّهلة الَّتي لا ينبني عليها كبير شيء.
? وقد راعيت في هذه التَّعليقات:
الاختصار حسب الإمكان، فلذلك تجنَّبت حشوَ المقال بما يمكن الاستغناء عنه.
ولم أتكثَّر بالنُّقول، إلَّا ما دعت إليه الحاجة.
وأعرضت عمَّا يتعلَّق بشخصي من الطَّعن والنَّقيصة.
وصرفت العناية لبيان الخلل في تقرير المسائل العلميَّة الَّتي تَعَرَّضَ لها الشَّيخ، لا سيَّما وضعُ النَّقل في غير موضعه، وتنزيل كلام أهل العلم على غير موقعه.
 ولا يفوتني هنا الإشارة إلى أنَّ هذه المقالات تعتبر وثيقةً قويَّةً تشهَدُ على الأدوات الَّتي وُظِّفت في الحملة على الدُّعاة السَّلفيين من أجل إسقاطهم وتشويههم، وذلك مثل:
ترويج أمورٍ غير ثابتة ولا محقَّقة، وما أكثر ما رُوِّج عن هؤلاء الدُّعاة من الأخبار الَّتي لا خطام لها ولا زمام. انظر مثلًا التَّعليق رقم (81)، و(73).
الإصرار على إلصاق التُّهم بهم، ولو تبرَّؤوا منها، انظر التَّعليق رقم: (111).
حمل كلامهم على خلاف مرادهم. انظر التَّعليق: (113).
تفسير كلامهم المحتَمِل على الوجه الَّذي يريده المنتقِد. انظر التَّعليق رقم: (79).
وكلُّ هذه الأمور موجودةٌ في هذه المقالات الَّتي تُعتبر أنموذَجًا واضحًا على توظيف هذه الأدوات في هذه الفتنة الرَّقطاء الَّتي ألمَّت بنا.
فبالله أيُّها العقلاء والمنصفون! كيف يَسلَمُ شخصٌ يُروَّج عنه الكذب، ثمَّ إذا نفاه وأنكره لم يُقبَل منه ولم يُصَدَّق، وإذا قال قولًا محتمِلًا حُمِل على الوجه المكروه؟!
هذه مقدِّمة، ننفصلُ منها إلى الشُّروع في التعليق، واللهَ أستعينُ، وإيَّاه أسأل السَّداد والتَّوفيق.



الجمعة، 19 يناير 2018

نِدَاءٌ إِلَى كُلِّ سَلَفِيٍّ صَادِقٍ


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
أما بعد:
فقد مرَّ على بداية الفتنة بين السلفيين في بلادنا الحبيبة قريب من شهرين، طغى فيها الخلاف، وانتشر فيها السب والتشهير، فشمت الأعداء، وفرح الحساد، وترك كثير من السلفيين الثغور التي كانوا عليها، فمر المولد من غير كبير تحذير، ومرَّت احتفالات رأس السنة وميلاد المسيح فذهب عدد من الجزائريين للاحتفال به حتى تزاحموا على مداخل تونس ولا نكير، ومرت طعوناتٌ رعناء خبيثة في السنة النبوية وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض القنوات الخاصة فعُدِم المنكر والمنذر والمحذر. فنعوذ بالله من الفتن التي تقطع الخير عن الناس، وتشغلهم بما لا فائدة فيه.
هاقد جاءت نصيحة الشيخ ربيع بن هادي ـ حفظه الله ـ، صريحة مدويَّة، وهو الإمام الخبير الذي قضى عمره في محاربة المبطلين وجَمْعِ كلمة السلفيين في أنحاء العالم، فنصح باجتماع الكلمة، وحذَّر من الفرقة والاختلاف، ونبَّه إلى أنَّ الأخطاء الموجودة لا تستوجب التَّحذير والإسقاط، وإنَّما تُعالج بالنَّصيحة بالحكمة، وحذَّر من العجلة، وتأيَّدت كلمته بكلمة الوالد المشفق عبيد الجابري ـ حفظه الله ـ، فاتَّفقت كلمتهما على الدعوة إلى التعقُّل والاجتماع ووأد الخلاف.
فجزاهما الله عن السلفيِّين خيرًا، وحفظهما الله وأطال عمرهما في طاعته.
والحمد لله الذي أبقى في الأمَّة علماء أمناء نصحاء يدعون إلى الخير.
فيا معاشر السلفيين! إن كنتم للنَّصيحة مستمعين، وعن الحقِّ والهدى باحثين، وعلى مصلحتكم ومصلحة أهل البلاد حريصين، فاجمعوا قلوبكم على الحقِّ، وتناسوا حظوظ النَّفس وأهواءها، وأغيظوا الشَّيطان وأعوانَه من شياطين الإنس المتربِّصين بكم وبدعوتكم.
والله لقد عمَّ البلاء حتَّى شمل الصِّغار والكبار، وعمَّ الرجال والنِّساء، وأصاب القريب والبعيد، فالله الله في هؤلاء المساكين الذين لا يفقهون من خلافاتكم شيئًا، ولا حظَّ لهم منها إلَّا الشك في منهجكم، بل ربَّما في دينكم من الأساس!
اللَّهم وفقنا ووفِّق مشايخنا للاجتماع على الحقِّ، وجمع الكلمة على الهدى والخير